قصة قصيرة|| صانع الدمى.

Featured image

معلومات عن القصة:

اسم القصة بالعربي : صانع الدمى

اسم القصة بالانجليزي : The Doll Maker

عدد الأجزاء : 1

التصنيف العمري : جميع الأعمار

الكاتبة : fisheylove501

المترجمة : meli1ssa    * انا *

~*~*~*~

يقضي سوهو اغلب وقته في الاعتناء بمتجر الدمى الخاص بعائلته الواقع في اخر الشارع…

في الثانية و العشرين من عمره، كان قادرا على صنع و نحت دمى من الخشب، فهو على علم بأنه في احد الأيام سيتولى ادارة هذا المتجر لكنه ابدا لم يتوقع ان ذلك سيحدث بهذه السرعة.

والده و جده مرا بوقت عصيب فيما مضى لذلك تم اغلاق المحل بشكل مؤقت حتى قرر سوهو اعادة فتحه العام الماضي.

عندما كان صغيرا كان يتعرض للكثير من المضايقات و السخرية لكونه ابن شخص يصنع و يبيع الدمى ليتمكن من العيش هو و عائلته  لكن سوهو ابدا لم يبالي بذلك، اذ كان شديد الاعجاب بوالده و جده لصنعهما مثل تلك الأشياء الجميلة _ الدمى الخشبية _ فهي قطع فنية استغرقا الكثير و الكثير من الساعات لصنعها بكل اتقان فكل تلك التفاصيل المعقدة تحتاج يد ماهرة و صبر كبير.

و بالطبع الأطفال الآخرين لم يفهموا ذلك رغم كثرة المرات التي اخبرهم سوهو  و شرح لهم الأمر إلا انهم  يعودون للسخرية منه فيما بعد لأنهم لا يملكون أي شخص من افراد عائلاتهم يتخذ من صناعة الدمى عمل يكسب به لقمة عيشه.

كل يوم و خلال ساعات العمل يشاهد الزبائن يدخلون و يخرجون من المحل بينما يتركونه وحيدا مع الدمى ليتمم العمل على احداها…كان يتقن صنع كل الدمى في اقل من اسبوع واحد لكن كان هناك دمية واحدة… واحدة فقط لم يتمكن من اتمام نحتها رغم انه يعمل عليها لأكثر من شهرين…

الوقت الوحيد الذي كان سوهو يعمل فيه على هذه الدمية كان بعد اغلاق المحل، اذ كان يقضي الليل بطوله محاولا اتمام صنعها لكنه ابدا لم ينجح في ذلك…

سوهو اتقن صنع الساقين٬ اليدين بشكل رائع و كذلك الحذاء و الثياب…لكنه ابدا لم يتمكن من الحصول على وجه مناسب سواء كانت العينين٬الأنف٬ الأذنين او حتى شكل الفم عند الابتسام او خط الفك، هو كان قد صنع دمى كثيرة شبيهة بهذه لكنه يفشل في كل مرة يحاول صنع وجه مناسب لها…

ألم تتساءلوا لماذا هذه الدمية تعتبر الدمية الوحيدة التي لم يتمكن من اتقان صنعها؟

و لماذا هو شديد الحرص على اتمام هذه الدمية بالذات ؟

الدمى التي صنعها والده و جده مستوحاة من الناس و شبيهة بهم٬ لكن سوهو ابدا لم ير وجه تلك الدمية التي يعمل عليها

سوهو رآها لأول مرة في احلامه…

كان يجلس على عشب اخضر مغمضا عينيه و مميلا رأسه للخلف ليشعر بأشعة الشمس الدافئة تتخلل تقاسيم وجهه…عندما فتح عينيه التفت يمينا اين رآها…كانت تجلس بقربه٬ ضامة ركبتيها لصدرها و مسندة رأسها عليهما جاعلة من يديها مظلة تحجب الشمس عن وجهها٬ تاركة اياهما تتحركان مع الريح اما وجهها فقد كان مغطى بشعرها نتيجة هبوب الريح لذلك سوهو لم يتمكن من رؤية كامل ملامحها

عندما استيقظ سوهو…

امسك دفتر الرسم خاصته بسرعة و بدأ في رسم تلك الفتاة التي رآها في حلمه

 حلمه كان قصيرا جدا لكنه مع ذلك رسم كل ما استطاع تذكره من ملامحها

في الليالي القليلة التالية حدث نفس الشيء٬ فهو قد رأى نفس الحلم في منامه لذا تمكن من رسم المزيد من التفاصيل…

مر عليه اسبوع و في كل ليلة يرى نفس الحلم٬ و نفس الفتاة لذلك قرر صنع دمية يجسد فيها شكل تلك الفتاة.

بعد شهرين…

 كان يعرف ذلك٬ كان يعلم بأنه قد وقع في حب تلك الفتاة التي تظهر في احلامه…

لم يستطع تغيير حقيقة ان الرياح دائما ما تهب لتحرك شعرها و بالتالي تغطي وجهها كما لا يستطيع انكار حقيقة انها كانت بجانبه لكنها في ذات الوقت بعيدة جدا عنه حتى الآن…

ليالي و ايام تمر…

تمكن من اكمال و اتقان كل شيء في الدمية باستثناء الوجه…

كان قد حاول مرات عديدة تخيل ملامح وجهها عندما تسطع اشعة الشمس على وجهها…ملامح وجهها اذا نظرت اليه…

و لكن في كل مرة حاول فيها يعلم بأنها ليست كذلك رغم ان ملامح الوجه التي نحتها تبدو جميلة جدا لكنه رغم ذلك لم يقتنع بها لأنه يعرف انها لا تنتمي لتلك الفتاة.

في احدى الليالي سوهو لم ير ذلك الحلم فاعتقد بأنه لم يره فقط الليلة و انه في الغد سيحلم بنفس الحلم مجددا و سيرى تلك الفتاة…

لكن لا…

هو لم يحلم بذلك الحلم لأكثر من اسبوع الآن لذلك هو محبط الآن٬ غاضب٬ خائب الامل و حزين…

لماذا لم يعد يرى هذا الحلم مجددا؟ لماذا؟

السؤال الأفضل…

لماذا راوده هذا الحلم من الأساس؟

بدأ سوهو يتخلى عن تلك الدمية تدريجيا…

لا مزيد من تلك الدمية اذا لم ينحت الوجه المناسب لها…

لا مزيد من تلك الدمية طالما لم يرى وجهها…

لا مزيد من تلك الدمية اذا لم يقابلها…

مرت اسابيع بدون ان يرى ذلك الحلم مجددا او ان يقابل تلك الفتاة و لو لمرة واحدة لذلك قرر ان يترك تلك الدمية جانبا فوضعها في واجهة المحل…

دمية بحذاء احمر براق و فستان ابيض جميل يسقط على ركبتيها بطريقة رائعة و زهرة موضوعة اعلاه بطريقة عفوية٬ شعر بني مموج يصل لكتفيها… كانت دمية جميلة

لا… بل رائعة…لكنها من دون وجه…

كل الزبائن الذين يدخلون للمحل يسألونه عن الدمية

” وااااه…انها رائعة. لكن لماذا لا تملك وجه؟ “

” لماذا جميعها تملك وجوها عدا هذه ؟ “

” اريد اخذ هذه لكنها لا تملك وجها “

” الدمية الموضوعة في الواجهة لا تملك وجها…ألم تتممها بعد؟ “

كل هذه الأسئلة يجيب عليها سوهو بنفس الكلمات ” لم يُعثر على صاحبها بعد…انها في انتظار الوجه المناسب لها “

كل من يمر بجانب المحل يبدي اعجابه الشديد بـ _ الدمية عديمة الوجه _ لكن لم يردها احد فهي بدون ملامح وجه.

في احد الأيام بينما كان سوهو مشغولا بالعمل على احدى الدمى لمدة ساعات لدرجة انه لم يسمع جرس الباب الذي فتح عند دخول زبون ما…

دخلت فتاة للمحل تسير بخطوات خفيفة كالريشة ترتدي حذاء احمر محدب قليلا من الأمام…

نظرت حولها تتفقد المحل و الدمى الموضوعة على الرفوف ثم استدارت لتخرج لكن عندما فتحت الباب توقفت عن السير و اخذت تنظر بذهول لإحدى الدمى الموضوعة في واجهة المحل٬نظرت لتلك الدمية بالحذاء الأحمر…لقد كانت مثلها تماما…

امسكت الدمية و راحت تدرس كل تلك التفاصيل الصغيرة الموضوعة في الفستان٬ لم تهتم لعدم امتلاكها لوجه لأنها و ببساطة وجدتها رائعة استدارت مرة اخرى و هذه المرة توجهت نحو سوهو الذي كان مشغول بدمية اخرى.

” المعذرة ” قالت بصوت اشبه بالهمس لكن سوهو تمكن من سماعه لذلك رفع رأسه ببطء ليرى مصدر الصوت

” هل استطيع شراء هذه ؟ ” اضافت بينما رفعت الدمية لتريها اياه

عندما رآها سوهو صدم لقد كانت نفسها تلك الفتاة  التي رآها في احلامه

” اه..” الشيء الوحيد الذي استطاع الخروج من فمه

” هي لا تملك وجها ” تحدث سوهو فادارت الفتاة الدمية اليها. ابتسمت و قالت ” نعم…اعلم ذلك “

حولت نظرها من الدمية لسوهو و اضافت ” لكنني فكرت ايضا في انه ربما تستطيع نحت وجه لها بحيث يكون مثل وجهي “

سوهو لم يستطع التفوه بحرف واحد فقط بقي يفكر…لماذا هي تريدها؟

” ربما انت تفكر في انني مجنونة ” ضحكت قليلا و اضافت ” هذا غباء…فقط سأشتريها هكذا من دون وجه “

ابتلع ريقه و قال ” اه..لا..استطيع جعلها مثلك “

” حقا؟ “

” نعم…استطيع فعل ذلك الآن او ربما بإمكانك القدوم غدا و الحصول عليها “

نظرت للساعة قليلا ثم اليه و قالت ” ارغب في البقاء الى ان تنتهي منها و اتمكن من اخذها٬ لكن يتوجب علي الذهاب الآن…حسنا اذن سآتي غدا لأخذها؟ “

أومأ لها سوهو كإجابة و بقي يراقبها عندما استدارت لتخرج من المحل لكن عندما فتحت الباب استدارت اليه و قالت ” لقد رأيتني لخمس دقائق فقط…هل انت واثق بأنك ستكون قادرا على جعلها مثلي تماما؟ “

” نعم ” صمت قليلا و اضاف بابتسامة عريضة ” بالطبع استطيع”

اغلق المحل بعدها و استعد للعمل على الدمية و بالتحديد للعمل على وجهها…

اولا، رسم الوجه على دفتره الخاص مع كل التفاصيل التي يتذكرها حتى الصغيرة منها ثم اضاف الألوان عليها…عينيها٬ وجنتيها٬ فمها و كل شيء…

و اخيرا، اتم سوهو تلك الدمية بعد عناء طويل…

” اعتقد بأن هذه هي ” قال بينما يضع الدمية على العداد و اضاف ” و اخيرا هذه الدمية وجدت صاحبتها “

و عندما استلقى على سريره لينام رأى ذلك الحلم

كان يجلس على عشب اخضر مغمضا عينيه و مميلا رأسه للخلف عندما شعر بحرارة اشعة الشمس الدافئة على وجهه فتح عينيه و التفت يمينا اين وجدها تجلس بجانبه٬ ضامة ركبتيها لصدرها و مسندة رأسها عليهما٬ جاعلة من يديها مظلة تحجب الشمس عن وجهها٬ تاركة اياهما تتحركان مع الريح…اما وجهها فقد كان مغطى

بقي سوهو ينظر اليها و يراقبها فاقدا للسيطرة على نفسه فهو مذهول كونه يشعر بأن حلمه حقيقة٬ حركت يدها لتبعد شعرها عن وجهها و استدارت لتنظر اليه و تقابل عينيه بابتسامة مرسومة على وجهها لحظتها صدم سوهو…

* انها هي نفسها؟ * هذا ما فكر فيه سوهو

في صباح اليوم التالي، استيقظ سوهو باكرا و كل افكاره تدور حول تلك الفتاة٬ عندما لاحظ بأنه لم يدخل احد للمتجر راح يقوم بتنظيفه

سوهو ينظف المحل في حالتين فقط : اذا كان قلقا او ان المتجر كان مليئا بالغبار

اليوم هو ينظفه لأنه قلقٌ للغاية.

انشغل بالتنظيف و لم ينتبه لمرور الوقت عليه حتى سمع طرقا خفيفا على الباب فترك ما بيديه و توجه نحو الباب ليفتحه بخطوات بطيئة و عندما فتحه قابلته بتلك الابتسامة على وجهها

” هاي…هل اغلقت المحل مبكرا او ماذا ؟ “

” ماذا؟ ” اجابها سوهو قبل ان يلاحظ بأنه قد نسى تغيير لافتة المتجر من مغلق الى مفتوح صباح هذا اليوم

” اوه…لقد نسيت تغييرها هذا الصباح” اخبرها

 لا عجب في عدم وجود زبائن طوال هذا اليوم  هذا ما كان يفكر به.

قاد الفتاة معه الى العداد اين وضع الدمية

” ها هي ذي ” قال عندما سلمها الدمية

قالت بصوت مليء بالسعادة ” وااااااو..انها رائعة…انها حقا تبدو مثلي ” نظرت اليه و اضافت ” كيف قمت بذلك؟ “

” قمت بماذا ؟ ” سألها باستغراب

” الوجه…كيف تمكنت من جعله يشبهني هكذا؟ اعلم بأنك اخبرتني بأنك قادر على فعله… لكن مع ذلك؟ “

” اه..” بدأ يتلعثم ” اعتقد..امممم…فقط اعتقد بأن لدي ذاكرة جيدة..اعتقد ذلك “

” اعتقد ذلك” بدأت تضحك ثم اضافت ” كم يجب ان ادفع من اجل هذه الدمية الرائعة؟ “

” لا داعي للدفع  ” اجابها و وضع ابتسامة على وجهه

” اوه هيا…هذه الدمية شيء يستحق…يجب ان ادفع” جادلته

” لا..هذا كان مجرد مشروع صغير عملت عليه..هذا كل شيء.. اذا اتى للمتجر شخص ما و اراد هذه الدمية عديمة الوجه سيأخذها دون أي مقابل”

وضعت احدى خصلات شعرها خلف اذنها و قالت ” شكرا لك ” ابتسم لها في المقابل و راقبها عند مغادرتها٬ اشراقها٬ حذاءها الأحمر الذي لا يصدر أي صوت عند احتكاكه مع الأرض

تماما مثل الريح لا يمكنك الامساك به…

تماما مثل حلمه…

انتهى~

2 comments on “قصة قصيرة|| صانع الدمى.

أضف تعليق